المعروف لدي عامة الناس ان الفيروسات تسبب أمراضاً خطيرة للإنسان بعضها قد يؤدي إلي الوفاة مثل أمراض شلل الأطفال والجدري والأنفلونزا بأنواعها وغيرها من الأمراض الخطيرة كما ان الفيروسات تسبب أمراضاً خطيرة للحيوان والنبات. فهل يمكن ان تستخدم الفيروسات في علاج الأمراض؟
نعم يمكن ذلك حيث انه يوجد أنواع من الفيروسات تعرف بالفيروسات البكتيرية تستخدم لعلاج الأمراض البكتيرية التي تصيب الإنسان والحيوان والنبات. وكذلك توجد فيروسات أخري تستخدم لعلاج السرطان.
علاج الأمراض البكتيرية بالفيروسات البكتيرية "أو البكتيريوفاج أو الفاج" وهو علم له العديد من المتخصصين في العالم حالياً. وهذا العلاج يتم منذ بدايات القرن الماضي بنجاح كبير.
فتوجد أنواع من الفيروسات البكتيرية تسبب دماراً للخلايا البكتيرية التي تصيبها فعندما يغزو فيروس خلية بكتيرية يتمكن من السيطرة عليها ويجبرها علي نسخ عدد من المحتوي الوراثي للفيروس ويتم في النهاية تدمير الخلية البكتيرية وينطلق عشرات أو مئات من هذه الفيروسات لتصيب خلايا بكتيرية أخري وتتكرر هذه العملية حتي تقضي هذه الفيروسات علي البكتيريا الضارة الموجودة في الجسم. وهذه الفيروسات لها درجة عالية من التخصص حيث ان كل فيروس يصيب عددا قليلا من الأنواع البكتيرية أو يصيب نوعاً واحدا من البكتيريا. بل في بعض الحالات يصيب سلالات معينة من النوع الواحد ولا يصيب سلالات أخري من نفس النوع وكذلك فإن النوع الواحد من البكتيريا يمكن ان يصيبه أكثر من نوع من هذه الفيروسات البكتيرية.
هذا الاستخدام للفيروسات البكتيرية التي تسمي أيضاً بالبكتيريوفاج أو الفاج يسمي بعلم العلاج بالفاج أو phage therapy وتستخدم بنجاح منقطع النظير في دول أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق منذ بدايات القرن الماضي. ويستخدمه الأطباء هناك في علاج مختلف الأمراض البكتيرية وقد استخدمه علماء الاتحاد السوفيتي السابق بنجاح كبير في علاج الجرحي والمرضي في أثناء الحرب العالمية الثانية وتقدم هذا العلم دول الكتلة الشرقية بشكل واضح ومنعت الحرب الباردة آنذاك من انتشاره في العالم وكانت الأبحاث في هذا المجال تنشر باللغات المحلية لهذه الدول.
أما الولايات المتحدة والدول الغربية فقد بدأت أبحاث العلاج بالفيروسات البكتيرية في بدايات القرن الماضي أيضاً ولكن ظهور المضادات الحيوية في الأربعينيات جعل هذه الدول تهمل هذا الجانب من الأبحاث بسبب ان المضادات الحيوية لها مجال واسع ضد البكتيريا ولكن مع ظهور السلالات المقاومة للمضادات الحيوية وانتشار هذه الطفرات التي جعلت البكتيريا تقاوم المضادات الحيوية وكذلك بسبب الآثار الجانبية للمضادات الحيوية اضطرت الدول الغربية للعودة لأبحاث العلاج بالفيروسات البكتيرية لما لها من مزايا كثيرة عن المضادات الحيوية. ونشطت هذه الأبحاث في الدول الغربية في التسعينيات وساعدهم في ذلك انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق. مما ساعد علي نقل الخبرات في هذا المجال من الدول الشرقية للدول الغربية.
وللعلاج بالفيروسات البكتيرية مزايا كثير عن العلاج بالمضادات الحيوية منها:
1 هذه الفيروسات تتكاثر عندما تصيب الخلايا البكتيرية الممرضة. ومن ثم ففي الغالب جرعة واحدة فقط كافية للقضاء علي البكتيريا الممرضة كلها الموجودة في الجسم بعكس المضادات الحيوية التي تحتاج لعدة جرعات.
2 هذه الفيروسات متخصصة تصيب فقط البكتيريا الممرضة المستهدفة ولا تؤثر علي البكتيريا الأخري النافعة داخل جسم الإنسان بعكس المضادات الحيوية التي لا تميز بين البكتيريا النافعة والضارة.
3 هذه الفيروسات تتكاثر عندما تكون البكتيريا الممرضة المستهدفة موجودة. فإذا قضت عليها كلها توقف نموها.
4 حجمها صغير وتصل للبكتيريا المستهدفة أينما وجدت في الجسم. ويتركز تكاثرها في مكان الإصابة البكتيرية فقط. بعكس المضادات الحيوية التي تؤثر في جميع أنحاء الجسم.
5 هذه الفيروسات ليس لها أي أضرار جانبية وليس لها موانع استعمال. فتم استخدامها بنجاح في علاج الأطفال حديثي الولادة والحوامل. بعكس الكثير من المضادات الحيوية ذات الآثار الجانبية الكثيرة وكذلك لها موانع استعمال عديدة.
6 لا تسبب هذه الفيروسات حساسية بعكس المضادات الحيوية التي قد تسبب أحياناً نوعاً من الحساسية.
7 الفيروسات البكتيرية يمكن ان تستخدم للوقاية من الأمراض البكتيرية كما تستخدم لعلاجها أيضاً.
8 تستخدم هذه الفيروسات كخليط من عدد من الفيروسات من "3 إلي 6" التي تصيب البكتيريا الواحدة وذلك لتجنب حدوث الطفرات المقاومة من البكتيريا فإذا حدثت طفرة وقاومت البكتيريا فيروساً معينا تصاب بالآخر. بعكس المضادات الحيوية التي من السهل ان تنتج البكتيريا سلالات مقاومة ضدها.
9 اكتشاف أنواع جديدة من الفيروسات البكتيرية أسرع وأسهل وأقل تكلفة من اكتشاف مضادات حيوية جديدة.
10 التكلفة الاقتصادية لإنتاج هذه الفيروسات أقل من المضادات الحيوية.
وتخصص الفيروسات البكتيرية يعتبر عيباً أحياناً. فمثلاً عندما تكون هناك إصابة بكتيرية محتمل ان تكون أحد ثلاثة أو أربعة أنواع من البكتيريا. كان في البداية لابد من معرفة نوع البكتيريا الممرضة ولكن أمكن تلافي هذا العيب بعمل خليط من الفيروسات البكتيرية التي تصيب جميع أنواع المحتملة للمرض معين.
ويمكن استخدام هذه الفيروسات في جميع الصور الدوائية في صورة أشربة أو مراهم أو حقن أو حبوب.
وهذه الفيروسات تستخدم أيضا بنجاح في مكافحة الأمراض البكتيرية التي تصيب الإنسان كما تستعمل بنجاح في علاج أمراض الحيوانات وأمراض النباتات بل تستخدم كذلك في حفظ الأغذية ومنع الفساد البكتيري للأغذية وأيضاً تستعمل في مكافحة التلوث البكتيري للمياه.
وفي الوطن العربي المتخصصون في هذا المجال محددون والأبحاث في هذا المجال محدودة. وكاتب هذه السطور له أبحاث في استخدام الفيروسات البكتيرية في مكافحة الأمراض النباتية. وأعطت نتائج أفضل من غيرها من الوسائل الأخري للقضاء علي المرض البكتيري محل دراسته.
أما عن الفيروسات التي تستخدم لعلاج السرطان فهي لا تزال في طور الأبحاث حيث تجري في السنوات الأخيرة أبحاث في الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وغيرها من الدول لاستخدام فيروسات متخصصة في القضاء علي الخلايا السرطانية ولا تسبب أي أذي أو ضرر لخلايا الجسم العادية وقد استخدمت هذه الفيروسات لعلاج سرطان الرئة والقولون والكبد وغيرها من أنواع السرطان علي فئران التجارب كإحدي مراحل البحث وأعطت نتائج مبشرة وهذه الأبحاث من شأنها ان تفتح مجالاً جديداً في علاج السرطان